الطريق الجديد،  15 نوفمبر 1988
قراءات في سطور المدينــة ، محمد الناصر النفزاوي

يــــحـــدث فـــي الـــمـــكـــتـــبـــة الوطـــنـــيّــــة  !

لن أحدّثكم عن سلوك هذا  "الباحث"  الذي طلب منه العون المكتبي تعمير بطاقة الارشادات فصرخ في وجهه :
ـ ألا تعرفني ؟ وكيف لا تعرفني ؟
ولن أحدّثكم  عن سلوك بعض القراء وأغلبهم من مستويات عالية وهم ينظرون الى العون المكتبي وكأنه " شاوش " أو نادل مقهى من الدرجة الأخيرة ذلك أنني سأكتفي في هذه القراءات بالحديث عن نمط آخر وغريب من سلوكات عدد من روّاد المكتبة  الوطنيّة.
تصوّروا " مثقّفا " يطلب كتابا نفيسا لا يوجد في السّوق ويعمد الى عمليّة اصلاح منظّمة ومتواصلة لكلّ ما يرى أنّه خطأ نحوي!

تصوّروا " مثقّفا " يطلب كتاب جوذر الفاطمي الذي لا يوجد الا في نسخة مصوّرة وكلما عثر على عبارة " المعزّ لله " فسخ هذه العبارة أو شطب عليها وكتب في الهامش : " كفرت لعنة الله عليك " .

 

تصوّروا " مثقّفا " يعثر في دائرة المعارف الاسلاميّة التي تقدّر بمئات الدنانيرعلى مادّة تهمّه (  مثل مادّة البيان حتّى نتحدّث عن آخر ما حصل ) فيغافل بقيّة القرّاء وأعوان المكتبة ويقوم بتقطيع الصفحات المخصّصة لهذه المادّة ويطويها ثمّ يضعها في جيبه ويغادر المكتبة ليعود الى بيته " فرحا مسرورا " .
هؤلاء " البشر " لا يسلكون نفس السلوك ازاء بطاقة التعريف القوميّة مثلا لأنّ ذلك يعرّضهم للتّتبع العدلي ولكنّهم لا يرون حرجا أخلاقيّا في سلوك كالذي وصفت .
ولو كان الأمر يتعلّق ب" بشر " جاهل لوجدنا لهم عذرا في هذا الجهل ولكن لا أحد فيهم من مستوى يقلّ عن التعليم العالي بمراحله المختلفة. ولذلك فالقضيّة ترتبط أساسا بالتكوين الأخلاقي لعدد من " المثقفين " لا بالمستوى التعليمي ومن الصعب تبعا لذلك معالجة مثل هذه الحالات.
ونحن نعتقد أنّه لا يوجد مقياس لتحديد تقدّم الشّعوب أفضل من قياس مدى ترسّخ الروح المدنيّة في تعامل الانسان مع الكتب العموميّة… ولذلك يمكن أن نستنتج أنّ شعبا يسارع أفراده عند زواجهم الى ملء مطابخهم بطواقم صحون وكؤوس لن يستعملوها في كثير من الأحيان مدى حياتهم أو يشترون المكتبات لملئها بالصحون وبأدوات الزينة انما هو شعب ما  زالت علاقته بالثقافة  زائفة ولذلك نحن لا نستغرب من بعض أفراده الذين " أصبحوا " مثقّفين " بالصّدفة " أن لا يحترموا لا الكتاب ولا غيرهم ولا ...أنفسهم .