الطريق الجديد ، 1988

قراءات في سطور المدينة ، محمد الناصر النفزاوي

هذا الغائب الكبير في برامج التربية والتعليم

في هذا العصر الذي تضخّم فيه دور الاقتصاد وكاد أن يصبح السبب الأوّل والأخير في الحرب والسلم وبقاء هذا في الحكم وسقوط ذاك الخ ..نشهد جهلا يكاد أن يكون كاملا حتّى عند الكثير من المثقّفين بأبجديات العلوم الاقتصادية

وكذلك هو شأن كثير من ممارسي السياسة والنشاط النقابي.

وانعكاس مثل هذا الجهل على رؤية الناس للأشياء مخيفة اذ    أنّ      الثقافة التي من معانيها فهم شامل معيّن  للانسان في علاقته بالطبيعة يصبح لها معنى  قد ينحصر في الشعر  أو الأدب أو الدين وبذلك يقع الفصل بين الانسان ومعرفة بعض أسباب معاناته الاجتماعيّة.

واذا كان هذا هو شأن الكثير من المثقّفين فانّ الأمر يصبح غنيّا عن الملاحظة عندما يتعلّق بالتلاميذ والطلبة الذين من المفروض أن يمثّلوا جيلا أفضل من الأجيال السابقة.

لو بحثنا في المواد التي تقدّم لهم تكوينا أساسيّا لعثرنا على الأدب والعلوم والتربية بشقيها المدني والديني الخ. ولكنّ الغائب الكبير يبقى الاقتصاد.

وهكذا يصبح المجتمع عموما يعيش حالة ثقافية غريبة لا يشبهها غير حالة المعاق حركيّا لا يعرف نوع اعاقته أو يفسّرها ـ بضربة جنّ ـ.

ان أهمّ مقوّم ماديّ لحياة الانسان اليوميّة وأحد أهمّ أسباب هذه الانتفاضة أو تلك يقع تغييبه عمليّا في المدارس والتلفزة ..

( واذا ذكرت كلمة مقوّمات فانّ أذهان الناس تتّجه مباشرة  الى اللغة أو الدين الخ...أي يقع حصر كلّ شيء في الثقافي دون الاقتصادي).

انني على يقين أنه ما من مادّة يمكن أن يكون لها تأثير حقيقيّ في تعديل وعي الناس مثل مادّة اقتصاديّة تعمّم على جميع الشعب التعليميّة.

واقرار مادّة كهذه يمكن أن يفيد من ناحيتين:

ـ تعديل وعي الناس وتثبيت أرجلهم في الأرض ،

ـ فتح باب التعليم  في وجه عدد من المجازين في الاقتصاد قد تسند اليهم اضافة الى اختصاصاتهم وظيفة تدريس مادة التربية المدنيّة وهي مادة على علاقة متينة بمادة الاقتصاد

ويمكن لهذا الاصلاح التربوي في المعاهد أن يتدعّم على نطاق أوسع باستخدام جيّد وعقلانيّ للتلفزيون وهو أكثرتأثيرا في كثير من الحالات من المدرسة.

وفي هذا المجال كنّا أشرنا  في هذا الركن منذ سنة تقريبا الى ضرورة انشاء مؤسّسة تونسيّة للدبلجة يكون من مهامّها تخفيف حدّة ضغط البرامج الهابطة أو المشبعة قيما خرافيّة وذلك بتخيّرما يحوز على اتفاق الجميع من برامج وأفلام تنمّي في التونسيين عموما فكرة التوق الى مستقبل عقلانيّ.

ولا نعتقد أن مثل هذه المؤسّسة التي يجب أن تعتمد على متخرّجين من مستوى التعليم العالي تتوفّر فيهم الكفاءة الخاصّة بمثل هذا الميدان يمكن أن لا تنجح ثقافيّا وماليّا.

انّه من غير المعقول في هذا الزمن أن يكرّس الحكم ثنائيّة الاختيار الاقتصادي الليبرالي من ناحية وذهنيّة التفكير الأحادي وغير الواقعي من ناحية ثانية.

ولا ننسى ( وهذا كلام نوجّهه الى حزب التجمّع الدستوري الديمقراطي ح ت د ) أنّ أحسن سياسة  ـ للعدد ـ هي السياسة التي تعلّم الناس أن يتجذّروا في الواقع أي سياسة صياغة عقليّة تماشي التطوّر بكلّ معانيه وتتكّيف معه.